بالتسلية والأحاجي والألغاز كانو يغسلون هموم يومهم
ناصر الحميضي
لعل من أهم مايشتمل عليه البرنامج التثقيفي والترويحي اليومي لجيل الأجداد والمجتمع السابق تخصيص وقت كاف للقصة والحكايات الشعبية والأحاجي والألغاز، رغم كثرة مشاغلهم واعتمادهم الكلي على الجهد العضلي مما يجعلهم والحالة تلك لايكادون يكملون نهارهم إلا وقد نال منهم التعب كل عضلة ومفصل واستنفد كل مالديهم من قوة وطاقة حتى لايبقى لهم مايصرفونه في شيء، ومع كل هذا التعب وذلك الجهد البدني إلا أننا نجد لهم اهتماماً بجانب التثقيف والترويح فاقتطعوا له من أول الليل وقتاً تفرغوا فيه لأنفسهم فوجدوا الراحة في لحظات يلتقطونها مع التقاط أنفاسهم المتعبة التي لاتلبث أن تعود لهم معها الحياة بكل مباهجها مع التسلية والحكايات الشعبية والترويح العام والشامل لكل الفئات وإعداد برنامج ضمني يشمل الأحاجي والتسلية والحكايات.
وفيما يخص الحكايات أو لنسميها معلومات اليوم أو آخر الأخبار فإنها في الغالب تكون واقعية حصلت لتوها في ميدان عملهم، أبطالها الأشخاص المجتمعون أنفسهم، فيلاحظها البعض وينسج حولها الحكايات المسلية التي تجعل الواقع أشبه بخيال حصل في زمن ما، مع أنه موقف شخصي أو حدث في حينه، وبعض الحكايات من نسج الخيال، حيث يتمتع البعض من الأشخاص بقدرة على نسج الحكايات غير الواقعية فيجعلها فقرة في برنامج الجالسين حوله وهم يستمتعون عادة بما يقول رغم معرفتهم بعدم واقعية قصصه لكنها الرغبة في التسلية خاصة عندما تكون قصصه محبوكة جيدة مليئة بالواقف والعبر.
وهذه الحكايات أو لنقل عنها أنها قصص، أو نسميها سوالف والمعنى متقارب جداً وإن كان بينها فوارق لاتكاد تذكر إلا أنها تجتمع في مفهوم واحد هو حدث ورواية ثم قاص يخرج الحدث بثوب مقبول مع الحذف والإضافة اللازمة ليتناسب هذا الحدث مع قواعد النشر وقبول المستمعين له وهادفاً أثناء العرض مع تضمنه لجوانب التسلية والإبداع والمتعة.
وترتكز القصص والحكايات الشعبية على ثلاثة أسس وضعها الأجداد ضمناً وليست قواعد مكتوبة مدروسة بل تلقوها عناصر مقبولة عندهم جيلاً بعد آخر وعبر المحاكاة وتلك الأسس هي:
٭ الهدف: فليست لديهم أي قصة إلا ولها هدف قد لايكون ظاهراً بل هو ضمن محتويات القصة يوصون فيه بفضائل الأخلاق وتحريها، وينطلقون من مبادئهم وعاداتهم وتقاليدهم، فبدلاً من الأمر والنهي المباشرين يوردون قصة مسلية تتضمن المراد.
٭ الابداع المتجدد، وهي سمة واضحة في قصة الأمس بل والألغاز والأحاجي فسمة التجديد تظهر في قصص وسوالف المجالس وكأنها نوع من الخيال الذي ينسجه القصاصون من عند أنفسهم، ولكنها في الواقع قصص لها شخوصها والمواقف الحية بل واقعية في اليوم نفسه، وهو فن من الإبداع قدروا على الولوج إليه وتقديمه بشكل ممتع.
٭ المشاركة. وتعني مشاركة الصغير والكبير في مناقشة القصة والحديث حولها سواء أثناء العرض أو بعده، وإن كان الصغار في مجالس الرجال داخل البيوت يلتزمون الصمت ويصغون للمتكلمين وينصرفون ظاهرياً لبعض الخدمات البسيطة مثل صب القهوة وما شابها إلا أنهم يمارسون التلقي بشكل عجيب وإصغاء كامل ويلتقطون كل مايدور في المجلس ومن كل الحضور.
ولكن ذلك الوضع لايبقى كما هو في صورته البيتية أو المنزلية إذا كان الجميع في أماكن خارج البيوت حيث يجلس الجميع أول الليل في ظاهر القرية على رمال ناعمة أوبطحاء وحصباء الوديان النظيفة حيث تتخذ مجالس يأخذ الرجال فيها والأولاد راحتهم في الجلوس والرقود أيضا ومع هذا الارتياح يتبادلون القصص والأحاجي والألغاز فيشارك الصغار إما منفردين أو مجتمعين مع الكبار فيتبادل الجميع كل المعلومات والقصص.
٭ التسلية والإمتاع: فرغم وجود الأهداف الأساسية للقصة إلا أنها تحاك وتحكى بشكل ممتع فيه تشويق وتسلية، تجذب السامعين وتجعلهم يعيشون أحداثها ولايتبين هدفها مباشرة وهذا سر قبولها، فقصص القدماء وأهل الزمن السابق لايبرزون الأهداف، ولايستبين السامع أن لها هدفاً واضحاً لكنها مبنية وفق هدف توجيهي عميق، بعكس بعض قصص اليوم وخاصة القصص التي تعد للأطفال فإنها تطغى عليها الأهداف البينة البارزة الظاهرة التي تجعل محتوى القصة يمتلئ تعقيداً لطغيان الهدف وحجبه الرؤية العميقة وتكرار الألفاظ بقصد تعميق الأهداف مما جعلها قصصاً غير مقبولة في مجملها لدى الناشئة.
ومن فقرات برنامج الأمس فإنها الأحاجي والألغاز، فيسألون بعضهم أسئلة تشويق وتسلية عن أوصاف بعض ما لديهم من أدوات الزراعة أو أثاث المنزل أو الأشجار أو الثمار، بحيث يتعرف السامع على هذا الشيء فيجيب، وليس في الفوز تصفيق ولا جوائز ولكن يحصل على الإعجاب فقط. ومن الأحاجي التعرف على اسم العائلة في البلدة بمجرد ذكر أعداد الذكور فيها والإناث ولأن أهل القرية يعرفون بعضهم تمام المعرفة فإن مجرد ذكر بعض ملامح العائلة يجعلها شبه واضحة لدى متلقي السؤال فيجيب أحدهم بأن المقصود هو العائلة الفلانية، ويأتي عادة السؤال حول ذلك بالصيغة التالية:
(عددهم ستة، ثلاثة أولاد وبنت والأم والأب) أو يقولون (شايب لحاله وعنده نخل).
أما الأسئلة العامة فمن أمثلتها:
أنشدك عن عذرا صخيفة حال عود الجريد موكز فيها) والجواب: المهفة مروحة الهواء القديمة المصنوعة من سعف النخيل والجريد.
ومن الأمثلة: ( أنشدك عن عذراء إلى طقت تصيح وهي الشامية، إناء مصنوع من النحاس لها صوت عند ضربها ولو باليد.
ومن الأمثلة: (صرار صريته يوم أصبح الصبح مالقيته) والجواب النجوم، حيث يرونها الليل لكنها لاتوجد أمامهم ولايرونها في النهار.
ومن الأمثلة (غنم عمي بيض وشاويهن لد لد) والجواب على ذلك الأسنان واللسان.
ومن الأمثلة على الألغاز (غنم عمي سود في البطحاء رقود لاينهضن جرة ولا يقرضن عود) والجواب: النحاوة، وهي أوعية من الجلد مملوءة بالسمن يأتي بها أهل البادية فيضعونها في الأرض معروضة للبيع وخاصة أيام الجمع.
ومن الألغاز (شيء هو شي له وجيه وله قفي) والجواب المرآة ويقولون عنها سابقاً منظرة.
ومن الأمثلة أيضا على الألغاز:
حمامتين فوق بيت
ينقرن نقر
السبيت
إن عطني مابغيت
وإن عطن غيري
بكيت
والجواب: الموت، ويعنون بذلك القبر وما فوقه من النصايب وأن الموت لارغبة لأحد فيه وإذا أخذ أحداً ممن حولك بكيت عليه.
ويمضي الوقت بين الألغاز والأحاديث والسوالف بشكل يومي وتكرر الأسئلة لكن بعد كل فترة فيكون البعض قد نسي من سمع من أسبوع وخاصة أن الأسئلة والألغاز كثيرة جداً بحيث ينساها عدد من الحضور أو تتشابه إجاباتها مع أسئلة أخرى، ومن هنا يأتي الاستمتاع بالجلسات اليومية.
مضى ذاك الزمن بأهله وفي كل زمان خير وبركة نسأل الله دوام النعمة